الإثبات في الإجراءات الإدارية باليمن
الإجراءات الإدارية باليمن
ورقة عمل
للقاضي/د. عبد الملك ثابت علي الأغبري
عضو المحكمة العليا
المقدمة:
إن فقه القانون الإداري اليمني لم يكتمل بنيانه حتى اللحظة؛ فاليمن منذ فجر الوحدة في 22 مايو 1990م لم تشهد الاستقرار الذي كان يتطلع إليه الشعب اليمني، فالأزمات ظلت تعصف به من لحظة إلى أخرى وكانت لها نصيب ما سمي بالربيع العربي، حيث خرجت الأزمة بالمبادرة الخليجية والتي تشكل خارطة طريق للخروج باليمن إلى بر الأمان.
فعلى الرغم من صدور عدد من القوانين المختلفة، فالدولة تعمل جاهدة على تحديث الأجهزة الإدارية للدولة والتعامل مع معطيات القرن الواحد والعشرين رغم التحديات الكبيرة التي تواجه عملية التحديث والتغيير، إلا أنه بالرغم من كل ذلك فإن القضاء بقيادته الشابة تمكن من شق طريقه نحو تعزيز استقلاله بدءاً من أعمال المؤتمر القضائي الأول الذي انعقد في ديسمبر 2003م وتمخض عنه تعديلات لقانون السلطة القضائية، حيث ترأس رئيس المحكمة العليا رئاسة مجلس القضاء الأعلى. ومن ذلك التغيير انطلق القضاء في اليمن نحو التحديث والتطوير، وهي عملية مستمرة لا تتوقف مواكبة لعملية الإصلاحات الجارية في البلاد.
ففي المنازعات الإدارية لا يجوز للقاضي أن يحل محل الإدارة ولا أن يصدر أمراً لها؛ فهي سلطة عامة وإصدار أوامر لها بالرغم من كونها خصماً في المنازعة يعد تدخلاً في شؤونها فيتعارض مع مبدأ استقلال السلطات. فليس للقاضي سوى الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه جزئياً أو كلياً أو رفض الإلغاء. ولا تتعدى سلطته في دعوى الإلغاء إلى تعديل القرار أو استبدال غيره به؛ لأن هذه الصلاحيات من إطلاقات الإدارة. أما في دعوى الاستحقاق فسلطته تنحصر في إجابة المدعي لطلباته بالاستحقاق أو رفض الدعوى، على خلاف القاضي الذي ينظر المنازعة المدنية حيث يستطيع إذا ما طلب منه أن يصدر أمراً بالتسليم أو بمنع التعرض أو غير ذلك من الأحكام التي لا نظير لها أمام القضاء الإداري.
إن القاضي الإداري له بصدد المنازعة الإدارية دور إيجابي في تسيير إجراءاتها لذلك قيل بأن هذه الإجراءات من نوع استيفائي أو تفتيشي.()
بمعنى أنها توجه بواسطة قاضي التحضير حيث يقوم بالعبء الأكبر في استيفاء الدعوى الإدارية بضم ما يراه لازماً لها من المستندات والأوراق. ويقوم قاضي التحضير بهذا الدور الإيجابي من خلال تكليف أمانة السر بالاتصال بالهيئات الحكومية المعنية.
وتتم الإجراءات الإدارية عبر تقديم المذكرات الكتابية، ولكن ذلك لا يمنع الخصوم من إبداء ما يريدون شفاهة بالجلسة وإثبات ذلك بمحضر الجلسة.
لا يوجد قانون خاص بالمرافعات الإدارية، من أجل ذلك كان الاجتهاد لازماً وضرورياً لتحديد القواعد التي تطبق في هذا المجال من جانب، ومن جانب آخر فإن القضاة في القضاء الإداري ملزمون بتطبيق قانون المرافعات.
فالقاعدة العامة والمتفق عليها في مختلف التشريعات العربية والإسلامية هي ضرورة العودة إلى العرف في كل المسائل التي لا يوجد فيها قانون مدون. ففي اليمن لا يوجد قانون إداري مما جعل المحاكم تطبق قواعد القانون العام وعلى وجه الخصوص القانون المدني وقانون المرافعات المدنية على المنازعات الإدارية. والواقع أن اليمن منذ توحد شطريه في 22مايو1990م مر بظروف وأزمات صعبة للغاية لم تستقر الأمور على مختلف الأصعدة مما انعكس سلباً على الاهتمام بأوضاع المحاكم رغم صدور عدد من القوانين والتشريعات المختلفة إلا أن القضاء الإداري لم يجد اهتماماً في تلك المرحلة التي سبقت إعادة النظر في تعيين رئيس للمحكمة العليا رئيساً لمجلس القضاء الأعلى وذلك بعد جهود عديدة بذلها رجال القضاء في دعم خطة الإصلاح القضائي بعد انعقاد المؤتمر القضائي الأول في تاريخ 15/12/2003م بمدينة صنعاء وكانت أهم القرارات التي صدرت عن هذا المؤتمر السعي لتعديل قانون السلطة القضائية رقم (1/91م) بما يتفق والنصوص الدستورية النافذة وبما يجسد وجود سلطة قضائية مستقلة مالياً وإدارياً وقضائياً، وفي تاريخ 30/5/2006م صدر قانون السلطة القضائية حيث نصت المادة (104) يكون رئيس المحكمة العليا رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، وصدر بعدها قرار رئيس الجمهورية بتعيين القاضي عصام عبد الوهاب السماوي رئيساً للمحكمة العليا فأصبح رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، بعد أن استبعد رئيس الجمهورية من رئاسة المجلس أصبح الأمر بيد مجلس القضاء الأعلى فيما يتعلق بتطوير أجهزة السلطة القضائية؛ ولذلك أولى فضيلة رئيس المحكمة العليا اهتماماً بالغاً لتطوير أسلوب عمل وأداء القضاة حيث وضع برنامج تأهيل القضاة من خلال المشاركة في الندوات والمؤتمرات القضائية والدستورية والقانونية، وفي تاريخ 11/10/2010م صدر قرار مجلس القضاء الأعلى رقم (177) لسنة 2010م بشأن إنشاء محكمتين إداريتين في كل من أمانة العاصمة ومحافظة عدن وهي محاكم ابتدائية متخصصة بالنظر والفصل فيما يلي:
دعاوى بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة عن السلطات والوحدات الإدارية العامة وفقاً للقوانين ذات الصلة.
دعاوى التعويض عن:
1- القرارات الإدارية.
2- العقود الإدارية.
الطعون في القرارات الإدارية المتعلقة بالمسائل التأديبية وفقاً للقوانين ذات الصلة.
أية منازعات إدارية لم ينط الفصل فيها لمحكمة أو جهة أخرى.
يتحدد نطاق اختصاص المحكمتين الإداريتين المنصوص عليها في المادة (1) من هذا القرار على النحو التالي:
1) المحكمة الابتدائية الإدارية بأمانة العاصمة، وتشمل دائرة اختصاصها أمانة العاصمة.
2) المحكمة الابتدائية الإدارية بمحافظة عدن، وتشمل دائرة اختصاصها محافظة عدن.
3) يبقى الاختصاص الوارد في المادة (2) من هذا القرار منعقداً للمحاكم الابتدائية ذات الولاية العامة في المحافظات التي لا توجد فيها محاكم إدارية على أن يتولى نظرها والفصل فيها رئيس المحكمة الابتدائية، وقد اشتمل القرار على:
أ. تتألف هيئة الحكم في كل محكمة من المحكمتين من قاضٍ فرد.
ب. تتولى الشعبة الاستئنافية الفصل استئنافاً في الأحكام والقرارات الصادرة عن المحكمتين الإداريتين والمحاكم الابتدائية ذات الولاية العامة في القضايا الإدارية.
ج. تتولى الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا الفصل في الطعون بطريقة النقض في الأحكام والقرارات الصادرة في القضايا الإدارية وفقاً للقانون.
د- تطبق بشأن المنازعات الإدارية قوانين قضايا الدولة والرسوم القضائية والمرافعات والتنفيذ المدني والإثبات والقوانين الأخرى ذات الصلة.
وبهذا القرار بدأ القضاء الإداري في اليمن خطواته نحو تأسيس وتأصيل المبادئ القانونية والإجرائية، وأسهم في تخفيف العبء وتراكم القضايا والتأجيلات المستمرة عن المحاكم ذات الولاية العامة. وتلك الحكمة التي توخاها مجلس القضاء الأعلى من أجل إنهاء المنازعات الإدارية في أسرع وقت ممكن.
وتضمنت المادة (24) من قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م تفصل الدائرة الإدارية في المحكمة العليا:
الطعن بطريقة النقض في الأحكام والقرارات الصادرة في القضايا الإدارية.
نقل الدعاوى في القضايا الإدارية.
الطلبات الأخرى الداخلة في اختصاصها وفقاً للقانون.. ونصت المادة (101) من القانون بالآتي:
تختص الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا دون غيرها بالفصل في الطلبات التي يقدمها القضاة بإلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بأي شأن من شؤونهم، وذلك عند النقل والندب متى كان الطلب منصباً على عيب في الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح أو خطأ في تطبيقها أو إساءة استعمال السلطة، كما تختص تلك الدائرة دون غيرها بالفصل في طلبات التعويض عن تلك القرارات والفصل في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لرجال القضاء أو لورثتهم.
وبذلك فإننا نتقدم بهذه الورقة التي تعطي صورة متواضعة للقضاء الإداري وقواعد الإثبات المتعلقة بإجراءات القضاء الإداري.
نسأل الله التوفيق والسداد،،،
القاضي
د. عبد الملك ثابت علي الأغبري
عضو المحكمة العليا
في تاريخ 29/3/1992م صدر القرار الجمهوري بالقانون رقم (21) لسنة 1992م بشأن الإثبات وحددت المادة (13) من القانون طرق الإثبات وهي:-
1- شهادة الشهود. 2- الإقرار. 3- الكتابة. 4- اليمين وردها والنكول منها. 5- القوانين القاطعة. 6- المعينة (النظر). 7- الخبرة (العدول) تقريرهم. 8- استجواب الخصم.
وتضمنت المادة (2) من قانون الإثبات: على الدائن إثبات الحق وعلى المدين إثبات التخلص منه وتكون البينة على المدعي واليمين على من أنكر.
والأصل أن عبء الإثبات يقع على عاتق المدعي، غير أن الأخذ بهذا الأصل على إطلاقه في مجال المنازعات الإدارية لا يستقيم مع واقع الحال بالنظر إلى احتفاظ الإدارة في غالب الأمر بالوثائق والمستندات والملفات ذات الأمر الحاسم في المنازعة، مؤدى ذلك إلزام الجهة التي يتبعها الموظف أو العامل بتقديم سائر الأوراق والمستندات المتعلقة بموضوع النزاع، وتقاعس الجهة عن تقديم الأوراق المتعلقة بموضوع النزاع يقيم قرينة لصالح المدعي فيما ادعاه من عدم قيام القرار المطعون فيه على سببه مما يصم القرار بعيب مخالفة القانون.
وفي مختلف القضايا الإدارية فإن على جهة الإدارة تقديم ما لديها من مستندات لأنه ليس في وسع المدعي تقديمها في الغالب. أما إذا أقام المدعي الدليل الكافي على دعواه فإن على المدعى عليه إقامة الدليل الداحض الذي ينفي ادعاء المدعي.
كما أجاز المشرع اليمني في المادة (112) إثبات للخصم أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أي محرر منتج في الدعوى تكون تحت يده. فالمحكمة هنا تأمر بتقديم المحرر في الجلسة المحددة متى أثبت الطالب طلبه وأقر الخصم بأن المحرر في حيازته، عدم تقديم الخصم للمحرر الذي تحت يده يؤدي إلى اعتبار الصورة التي قدمها الخصم الآخر صحيحة ومطابقة لأصلها.
كما يجوز الأخذ بقول الخصم حتى ولو لم يقدم صورة من المحرر المطلوب تقديمه وأساس ذلك هو تحقيق التوازن بين طرفي الخصومة.
إن القضاء الإداري يعتمد في الأساس على السوابق القضائية بجانب استنباطه للدليل من واقع ما يعرض أمامه أثناء إجراءات التقاضي والقاضي الإداري يقوم بدور إيجابي أثناء إجراءات التقاضي فهو الذي يوجه الدعوى ويطلب تقديم الأدلة والوثائق ويطلب كل المعلومات كما يستطيع استدعاء من تراه لصالح العدالة والسير في تلك الإجراءات هو إعادة التوازن بين طرفي العلاقة التي هي غير متوازنة أصلاً.
شرع الإثبات طريقاً لحماية الحق عند اللجوء إلى القضاء؛ حتى يكون القضاء بين الناس منهياً للخصومات قاضياً على أسباب الخلاف والنزاع.
فالإثبات في القانون الإداري يختلف عما هو موجود في القانونين المدني والجنائي وذلك لاختلاف طبيعة الدعوى الإدارية عن الدعاوى المدنية والجنائية، حيث إن الدعوى المدنية تقوم على أساس المساواة بين الطرفين، والمساواة في الغالب تؤدي إلى حرية الإثبات، أما في الدعوى الإدارية فتقوم على أساس التفاوت بين أطرافها؛ لأنها تقوم بين طرفين أحدهما: الإدارة وهي طرف قوي وتتمثل قوتها في كونها تتمتع بامتيازات قاهرة، كما أن الأوراق والمستندات تحت يدها، والثاني الفرد وهو ضعيف يحتاج بصفة دائمة إلى الطرف الأول وإلى التعامل معه ويخشى إجراءاته الشديدة التي ينص في العقود عادة على أن تمكن منها الإدارة بما نسميه بالشروط غير المألوفة. هذا إذا كانت العلاقة بينهما تعاقدية، أما إذا كانت العلاقة بين الإدارة والفرد تقوم على أساس قرار إداري فإن الإدارة تنفرد بإصدار القرارات ولا يعلم الفرد ما يتضمنه من وقائع وبيانات، وفي ضوء الامتيازات التي تتمتع بها الإدارة غالباً فإنها تقف في مركز المدعى عليه غالباً.()
في حين يقف الفرد الضعيف في مركز المدعي الأمر الذي يترتب عليه نشوء ظاهرة عدم التوازن بين الطرفين في الدعوى التي تستلزم إظهار الدور الإيجابي للقاضي الإداري وسلطاته الاستيفائية في إطار الفصل في الدعوى وترجيح كفة أحد الطرفين على الآخر مع التزامه بالأصول القضائية ومن ثم فإن الدعوى الإدارية وإن اختلفت عن الدعوى المدنية من حيث عدم التساوي بين أطرافها إلا أنها تتفق معها في أن الدعوى تقوم بين طرفين وأن الطرفين قد يختلفان في العلاقة التي تربط بينهما، وهذا الخلاف لكي يحسم لا بد من اللجوء إلى القضاء والقاضي بطبيعة الحال يفصل في الدعوى على ضوء ما يقدم أمامه من أدلة.
إن إجراءات الإثبات في مجال إجراءات الدعوى الإدارية تختلف كثيراً؛ نظراً لما لها من طبيعة خاصة باعتبار أحد أطرافها هو السلطة العامة التي يتعين أن تتجرد من لدد الخصومات الفردية المتعارف عليها أمام القضاء العادي.
فالبينات التي تقدمها والتي تكون غالباً تحت يدها وسائر المستندات الرسمية لها دخل كبير في اقتناع القاضي الإداري بدرجة قد لا يلجأ معها إلى وسائل أخرى لذلك كان ضم المستندات مهماً في الإثبات في هذه المنازعات لاستحالة تطبيق مبدأ (البينة على المدعي) كما يمكنها طلب أية مستندات موجودة لدى الإدارة (المدعى عليها) والتي تكون منتجة في النزاع حتى بدون طلب، فاختلاف المنازعة الإدارية تلقي العبء على القاضي الإداري أن يمارس دوره الإيجابي في البحث عن الدليل. كما أنه في الإجراءات الإدارية يمتنع الأخذ في هذه المنازعات كاليمين الحاسمة والمتممة كوسيلة من وسائل الإثبات وكذا على علمه الشخصي الذي يستقيه من خارج إجراءات التقاضي.
ويمكن القول بأن القاضي الإداري له الحرية الكاملة في تكوين عقيدته من أي دليل مقبول؛ إذ جميع الأدلة تتساوى في الإثبات في المجال الإداري، كما يلتزم القاضي الإداري في ممارسته لدوره تجاه الدعوى الإدارية، فإنه يلتزم بمراعاة حدود الدفاع وضمانات التقاضي واحترام استقلال الإدارة وعدم التدخل في شؤونها التقديرية أو الحلول محلها. ومن هنا فإن مذهب الإثبات الذي يعتنقه القانون الإداري هو مذهب الإثبات الحر والكتابة تعتبر هي الوسيلة الرئيسة للإثبات والتي تشمل الأوراق الرسمية ويقوم بتحريرها موظف عام مختص وفقاً للقانون – الأوراق العرفية والمحاضر الإدارية – والقرائن والقرينة تعريفها: استنباط أمر غير ثابت من أمر ثابت بناءً على الغالب من الأصول، أما بعض المشرعين فعرفها بالآتي: استنباط الشارع أو القاضي لأمر مجهول من أمر معلوم.
وعرفه المشرع اليمني في قانون الإثبات بالآتي: المادة (154) إثبات: القرينة هي الأمارات التي تدل على إثبات ما خفي من الوقائع ودلائل الحال المصاحبة للواقعة المراد إثباتها.
المادة (156) إثبات: كل قرينة قاطعة قانونية لا يجوز نقضها ويتعين الأخذ بها والحكم بمقتضاها.
المادة (157) إثبات: للمحكمة أن تأخذ بالقرينة القاطعة القضائية التي يمكن استنباطها من وقائع الحال، وأن تعتبرها دليلاً كاملاً على الواقعة المراد إثباتها في الأحوال التي يجوز فيها ذلك وهي الأموال والحقوق ويجوز للخصم أن يثبت أنها غير صحيحة بالبينة القانونية.
المادة (158) إثبات: القرينة البسيطة غير القاطعة، وهي التي لا تقطع بثبوت الواقعة المراد إثباتها وإنما ترشح لثبوتها، وقد تحتمل ذلك وغيره. ولا تعتبر دليلاً قاطعاً يغني عن المطالبة بإقامة البينة القانونية على ما يدعيه وإنما يجوز للمحكمة أن تستأنس وتستكمل الدليل على أساسها.
وبالتالي فإن الإثبات في الإجراءات الإدارية يعتمد على نصوص ووقائع متناثرة وعلى أحكام المحاكم السوابق القضائية وعلى التطبيقات العملية.
إن المشرع اليمني لم يصدر تنظيماً خاصاً لممارسة إجراءات القضاء الإداري ولا قواعد خاصة للإثبات الإداري، ويظل الأمر محكوماً بإجراءات التقاضي طبقاً لقانون المرافعات والقواعد العامة لقانون الإثبات الساري على معظم المنازعات بما فيها المنازعات الإدارية، وهذا لا يتفق مع طبيعة الدعوى الإدارية نظراً لاختلاف قواعد الإثبات في حالتي الخصومة الإدارية والخصومة العادية؛ فالأمر يتعلق بالمدعي الذي يفرض عليه عبء الإثبات في الخصومة الإدارية وهو (الفرد) الطرف الضعيف والمجرد من الأدلة والامتيازات الإدارية التي تحوزها الإدارة (المدعى عليها) المتمتعة بالمركز الأقوى؛ مما يعني صعوبة تطبيق قواعد وإجراءات التقاضي المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والقواعد العامة في الإثبات؛ ولهذا لم تتضح معالم إجراءات القضاء الإداري وإثباته في ظل النظام القضائي اليمني إلا أنه من حقه التوسع وعدم التقيد الصارم في قانون المرافعات وابتداع الحلول الملائمة.
أما قانون الإثبات الصادر بالقرار الجمهوري بالقانون رقم (21) 1992م حدد طرق الإثبات أمام القضاء العادي على سبيل الحصر وبيَّن القيمة القانونية لكل منها، ومرتبتها بين الطرق المختلفة، إلا أن هذا التحديد لا وجود له أمام القضاء الإداري الذي لم يحدد له القانون طرقاً معينة للإثبات.. حيث تعد وسائل الإثبات أمامه الأساس في تقديم عناصر الإثبات ويملك بشأنها القاضي الإداري سلطات كبيرة في تقدير فائدتها وجدواها ومدى الاقتناع بنتائجها.. وتعد الأوراق الإدارية الطريق الرئيسي لإثبات الوقائع الإدارية وتصرفات العاملين بالإدارة أمام القضاء الإداري وهذا أمر طبيعي؛ لأن الإجراءات القضائية تتميز بأنها ذات صبغة كتابية بالإضافة إلى إنهاء استيفائية تتم تحت توجيهات وإشراف القاضي الإداري ولهذا تعد الأوراق الإدارية الوسيلة الرئيسية في الإثبات أمام القضاء الإداري باعتبارها ذاكرة الإدارة التي يرجع إليها عند الحاجة.
ومع ذلك تكمن المشكلة في حيازة الإدارة لهذه الأوراق والمستندات وحفظها وما تضمنته من بيانات مدونة في أرشيفها، وبالتالي يكون من الصعب على المدعي أن يحصل على هذه الأوراق؛ ولهذا استقر الفقه والقضاء الإداري على أن عيب الانحراف بالسلطة من العيوب القصدية في الإداري.. كما استقر القضاء الإداري المصري.
ولذلك فإن المرجع الرئيسي لكل ما يتعلق بمراحل حياة الموظف في الوظيفة هو ملف الخدمة ففيه كل ما يتعلق بماضي خدمة الموظف وأحواله من ناحية الكفاءة والصلاحية للوظيفة، وكل ما هو متعلق بالموظف ثابت في سجلات الإدارة.
والإدارة غير مقيدة بشكل أو نموذج معين من الأوراق فقد تأخذ الورقة الإدارية صورة قرار إداري في أي مرتبة أو شكل له كقرار جمهوري أو لائحة صادرة من سلطة مختصة أو قرار فردي بالتعيين أو الترقية أو الفصل أو نزع الملكية للمنفعة العامة. وعليه تعتبر الأوراق الإدارية ذات أهمية بالغة في إثبات الوقائع الإدارية وتحقيق اقتناع القاضي الإداري بصحتها. ومما سبق يتضح امتياز الإدارة بحيازتها للأوراق في حين أنها قد تمس مراكزهم وأوضاعهم القانونية، وبذلك يكون الفرد أعزل من أدلة الإثبات بصفة عامة، وتكون الإدارة في وضع أفضل من حيث القوة والاستعداد عن الفرد الذي يقدم ادعاءاته والذي تخلو يديه من الأوراق والتي هي الدليل الرئيس في الإثبات على خلاف الحال في القانون الخاص حيث يعتمد الطرفان فيه على أدلة الإثبات الأخرى غير الكتابية كالشهادة واليمين بصورة أساسية بجانب الكتابة، وتتساوى كل الأطراف في شأن حصولها أو حيازتها على أدلة الإثبات.. وفي حالات نادرة تكون الإدارة في موقف المدعي حين تقوم برفع الدعوى التأديبية بشأن انحراف الموظف العام عن أداء واجبه وسلوكه.
الخاتمة
إن الاستمرار في بذل الجهود نحو تطور القضاء الإداري في اليمن، وسن التشريعات الملازمة مسألة في غاية الأهمية، وبالتالي يمكن الاستفادة من خبرات وتجارب الدول العربية التي سبقت اليمن في هذا المضمار، حيث أصبح من الضرورة بمكان أن يكون للقضاء الإداري قانون إجراءات التقاضي، وكذا قانون إثبات خاص بالإجراءات أمام القضاء الإداري مما يسهم في تخفيف الأعباء على المتقاضين.
المراجع
د. مصطفى كمال وصفي. أصول إجراءات القضاء الإداري.
د. أحمد كمال الدين موسى. نظرية الإثبات في القانون الإداري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق